أصبحت أكثر سكونًا مما اعتدتُ، وكأن شيئًا لم يعد يُحرك أعماقي كما كان. يُخيّل إلي أنني أفقد شيئًا فشيئًا، كل دفء كان يربطني بالعالم. حتى الوجوه التي كانت تُثير في قلبي الفرح أو الألم، لم تَعُد سوى ظلال باهتة. أخشى أن يكون هذا الهدوء موتي البطيء، لا نجاتي من الضجيج.
أعلم أن التعب استنزف قواك، أعلم أن التفكير أرهق عقلك، أعلم أنك تعبت، سئمت، ضاقت بك الحيل والسبل، أعلم أنك تبغي ساعة صفاء، لو لحظةً من زمن، أعلم أنك استنكرت نفسك، تغيّرت عليك أيامك، أصبحت تدور حول محور واحد، و في نطاق أضيق..
أعلم أنك تخليت عن كثير من متعك وخططك في سبيل هذا العطاء، ومسحت من خاطرك فكرة الاسترخاء واللا عمل!
أعلم أنك تتمنى النهاية، تترقب لحظة الختام، تريد أن ينتهي هذا كله، و تنتهي كل هذه المهام و التكاليف.
رويدك..
ما هكذا عهدتك، و لا لأجل ذلك أعددت نفسك، رويدك ما الحياة بصافية لغيرك، ولمن سبقوك، حتى تصفى لأجلك..
رويدك أنت النور و الضياء،
فمن يُعطي إن قصرت أنت؟
و من يرفع الراية إن كلّت يدك، وتهاوت عزيمتك؟!
من يغير هذا الجيل و يزرع فيه غرسًا طيّبًا إن شحّت غيومك!
كل هذا التعب سيزول قريبًا، و هذا النصب سيكون محض ذكرى، و أنت تسمو و ترتفع و تكتسب مهارة و علمًا وتبذل و تعطي و تغيّر و تترك أثرًا مورقًا لا يزول!
لا تسرقنّك الأيام من نفسك، لا تضع يا صاحبي في الزحام •
أيها الوحيد في دربك؛ لعلَّ العزلةَ قاسيةٌ على القلب، لكنها أصدق من صحبة تخون. لا تلمْ نفسك إن ضاقت بكَ الدنيا، فالوحدة جدار يحميك من السقوط، والصمت خير من كلمات تذروها الرياح.
النُضج الحقيقي ليس أن تزداد قسوة، بل أن ترقى بقلبك فوق السَفاسِف. أن تُحب بعمق، لكن دون ذُلّ. أن تُعطي بلا حدود، لكن بكرامة. أن تَغفرُ بسهولةٍ، لكن لا تنسى، ستُدرك يومًا أنَّ كل من أَبهر قلبك ذات مرة، لم يكن سوى مرآة عكستْ أشواق روحك، فلا تبحث عن بطل في سماء الآخرين، بل اصنع من ألمك جناحين وحلّق، فالحياة قصيرة جدًا لأن تعيشها ظلًا لغيرك!