وآهُ يا قَلبي ، كيف تسكُنُ بين أضلُعي ولا تَنهار؟
كيف لا تُصَفّقُ وجعًا وتَتمزّق وتَصرخ وتُبكي المارّين؟
رَأيتُه…
رأيتُه حيًّا ، واقِفًا أمامي كأنّه لم يَكن يومًا في الموت ، كأنّه ما تُرك خَلف الأسوار ، ما بَكى ليلًا وارتعدَ في الظُلمة ، ما ناداني وكنتُ أصمًّا عنه
وآهٍ يا وَجعي…
كم تَمنّيتُ هذا اللّقاء ، كم تَوسّلتُ أن يَعود ، أن أراه ، أن أطمئنّ عليه ، لكنّي لم أتخيّل أن يُؤلمني حضورُه أكثر من غيابه
لقد اشتقتُ له حدّ التآكل ، اشتقتُ له حدّ النُدبة التي لا تَلتئم ، اشتقتُ له كمن يُحبّ جُرحه ولا يُريد له أن يَبرأ
كانَ هُناك ، لكنّه لم يَكُن كما كان…ليسَ كما أعتدتُ عليه مَرِحًا ، لطيف ، مُرهف بالأحاسيس ، بَل كان شاحِبًا مُنطفئًا رُغمَ الإبتسامة التي أعرف جيّدًا أنه يَصطَنِعها ، كأنّ الحياة التي في عينيه ضاعَت هناك… حيث ضيّعته
وأنا؟
أنا المُتّهم ، أنا الجاني ، أنا الكارثة التي حَلّت عليه…
أنا من أوصَله إلى هَذا الهَلاك ،
أنا من كان عليه أن يُنقذه فَتردّد ،
أنا من كان عليه أن يُقاتل فَجبُن ،
أنا من خذلَ كلّ شيءٍ فيه!
كُلُّ ما فيَّ يَصرخ "كُنتَ السبب"
كُلُّ صمتي يَقول "كُنتَ الجُرح"
كُلُّ نظرةٍ من عينيه تَلعنُني… ولو لم يَقل شيئًا ، أنا أعرف ذلك!
آهٍ يا رفيقي ، آهٍ يا رَهيفي ويا مُهجة قَلبي وبَهجته
كم أنا سعيدٌ لأنّك بخير ، لأنّك على قَيد الحياة ، لأنّك لا تَزال تَقِف… حتى وإن لم يَكُن بي مَكانك
لكن ، أُقسِم بروحي التي تَعيش على حافّة الخطر ، مُعلّقة بخيطٍ رَفيع من القَدر… كم أنا مَقهورٌ عليك!
كم أحتَرق حين أتذكّر صوتك يَرتجِف ، ودمك يَسيل ، وذِراعك يَتشنّج حين كانوا يُعذّبونك أمامي…
كم صلّيتُ ليلًا أن أكون مَكانك ،
كم بكيتُك بعيونٍ لم تكفّ عن البُكاء يومًا ،
كم حفرتُ اسمك في جُدران قَلبي ،
كم ناديتُك في وَحدتي ولم تَأتِ..
وها أنت… تَعود!
تَعود لتُعيد إليّ كل ما أحاول جاهِدًا دَفنه ،
تَعود وتَحفرني من جَديد ،
تَعود ولا تدري… أنّك الوحيد الذي ما غادرني يومًا
أنا يا فؤادي…
ما زلتُ أعيش هناك ،
في ذاك الصُندوق…
في ذاك الصّراخ…
في تِلك اللّحظة التي فَرضوا عليّ أن أُطفئك !
ولَم أفعل…
فهربتَ ، وهربتَ مني ، وهربتُ أنا من كلّ شيء ، إلا منكَ!
راجعتلكم راجعه …