الوعي: النعيم الذي يخلقه العقل، والجهل الجحيم الذي يصنعه الغياب
كثيرًا ما تتردد على مسامعنا عبارة: "جحيم الوعي ونعيم الجهل"، وكأن الإنسان مدعوٌ لأن يعيش معصوب العينين كي يهنأ، أو أن عليه أن يدفع ثمن الفهم ألمًا وصراعًا. غير أن التأمل العميق في طبيعة الوعي يقودنا إلى حقيقة مغايرة تمامًا. فالوعي، في جوهره، ليس لعنة كما يصوره البعض، بل هو الشرارة التي تُضيء الذات، وهو الجسر الذي يصل الإنسان بحقيقة نفسه وبالعالم من حوله. لذلك أؤمن بقناعة راسخة تقول: "نعيم الوعي وجحيم الجهل".
الوعي: بصيرة لا تُثقِل الروح بل تُنقذها
الوعي ليس مجرد إدراكٍ للأشياء، بل هو قدرة متقدمة على فهم ما وراء الأشياء. إنه ذاك الضوء الذي يَسِمُ الفوضى بنظام، ويحول العيش من مجرد وجود بيولوجي إلى تجربة ذات معنى. فالإنسان الواعي يرى عيوبه وفضائله، يقرأ دوافعه، يضع حدوده، ويمنح حياته اتجاهًا واضحًا.
إن نعيم الوعي لا يأتي من سهولة الطريق، بل من صواب الاتجاه. من معرفة أين تضع قدمك، وكيف تتعامل مع نفسك والآخرين. الوعي يمنحك حكمة اتخاذ القرار، وعمق الفهم، وطمأنينة التصالح مع الذات. هو نعيم لأنه يحررك من الدوران في متاهات لا تراها، ومن أن تكون مجرد رد فعل على ما لا تفهمه.
الجهل: راحة مؤقتة وجحيم مؤجل
يظن البعض أن الجهل نعيم لأنه يُخفف ثقل التفكير، لكن الحقيقة أن الجهل لا يُريح إلا لحظيًا، ثم يترك صاحبه فريسة للعثرات المتكررة. الجهل يجعلك ضحية لقرارات خاطئة، لفرص ضائعة، لمخاوف بلا سبب، ولثقة زائفة تُهوي بك في أماكن مظلمة.
الجهل جحيم لأنه يغلق الأبواب قبل أن تُفتح، ويجعل صاحبه يرى العالم من ثقب ضيق، بينما هو محاط بأفق واسع ينتظر أن يُكتشف. الجهل يحرمك من رؤية الحقيقة، ومن فهم نفسك، ومن إدراك قيمتك، ومن القدرة على النمو.
الوعي ليس ألمًا… بل مسؤولية
الوعي لا يعذب صاحبه، بل يحمّله مسؤولية أكبر. والمسؤولية ليست عقابًا، بل هي باب للارتقاء. حين تكون واعيًا، تصبح قائدًا لحياتك، لا تابعًا للصدفة أو الظروف. تتحول من شخص يعيش في التيار إلى شخص يفهم اتجاه المياه وسبب جريانها.
الوعي يطلب منك شجاعة، نعم، لكنه يُعطيك بالمقابل قوة. يطلب منك مواجهة، لكنه يمنحك حرية. يطلب منك الحقيقة، لكنه يمنحك السلام.