"أَنَا الَّتِي تَسْكُنُهَا التَّفَاصِيلُ كَمَا يَسْكُنُ العَطَشُ وَهَجَ الصَّحَارَى، أُفَكِّكُ مَا يُهِمِلُهُ النَّاسُ وَأَجْمَعُ الأَثَرَ الَّذِي يَتَبَخَّرُ فِي العُجَالَةِ. أُصِيخُ السَّمْعَ لِصَمْتِ الحُجُرَاتِ المَهْجُورَةِ، وَأَسْتَنْطِقُ العِبَارَاتِ المَنْسِيَّةَ فِي طَيَّاتِ الزَّمَنِ."

"لَستُ مِمَّنْ يُلاحِقُونَ القِصَصَ الجَلِيَّةَ، أَنَا أَقرَأُ مَا كُتِبَ بِالأَنفَاسِ الخَافِتَةِ، وَأَتَتَبَّعُ أَثَرَ الدُّموعِ الَّتِي لَمْ تَسْقُطْ، أَنَافِسُ الظِّلَّ فِي تَفَسُّخِهِ وَأُعَانِقُ الصَّمتَ حَتَّى يُفْصِحَ عَمَّا يُخْبِئُهُ."

"أُؤمِنُ أَنَّ العَالَمَ لَيسَ صَرْخَةً مُدَوِّيَةً، بَل نَفَسٌ مَغْمُوسٌ بِالحَكَايا، وَأَنَّ الأَرْوَاحَ لَا تَسْكُنُ العُظْمَ فَقَط، بَل فِي الكَلِمَاتِ الَّتِي قِيلَتْ وَفِي تِلْكَ الَّتِي لَمْ تُقَلْ، فِي رَجْفَةِ جُفُونٍ فِي اللَّيْلِ، وَفِي أَنْفَاسِ نَافِذَةٍ أَغْلَقَتْهَا رِيحُ الشِّتَاءِ."

"لَستُ عَابِرَةً فِي الحَيَاةِ كَمَا يَعْبُرُ غُبَارُ الطَّرِيقِ، أَنَا النَّقْشُ الَّذِي يَسْتَعْصِي عَلَى الزَّوَالِ، وَالصَّدَى الَّذِي لَا يَضْمَحِلُّ فِي فَرَاغِ الوَقْتِ. فِي عَالَمٍ يَسْرِقُ الأَيَّامَ كَسَارِقٍ يُفَتِّشُ جُيُوبَ النَّائِمِينَ، أَنَا الَّتِي تَجْمَعُ أَشْلَاءَ اللَّحَظَاتِ المُبَعْثَرَةِ وَتَنْسِجُ مِنْهَا أَبَدِيَّةً صَغِيرَةً."

"أَنَا الَّتِي لَا تَنْسَى، لَا تَتَجَاوَزُ، لَا تَخْذُلُ الحُرُوفَ الَّتِي تَرَكَهَا النَّاسُ مَعْلَّقَةً فِي فَرَاغِ الأُفُقِ، أَنَا مَنْ تَجِدُ الحَقِيقَةَ فِي ظِلِّ الكَلِمَاتِ الَّتِي لَمْ يُلْقِهَا أَحَد، وَتَرَى الحَيَاةَ كَمَا يَجِبُ أَنْ تُرَى... بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ وَجَعٍ مُوَشَّى بِالجَمَالِ، وَبِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ حُلْمٍ مُنْذُورٍ لِلدُّهُولِ